تشهد العلاقات الفرنسية-التشادية تحولًا كبيرًا مع قرار الحكومة التشادية المطالبة بانسحاب القوات الفرنسية من أراضيها قبل 31 يناير 2025. هذه الخطوة التي تم الإعلان عنها من خلال مصادر فرنسية وتشادية، تأتي بعد ثلاثة أسابيع فقط من إلغاء الاتفاقيات الدفاعية والتعاون العسكري بين البلدين، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري .
المطالبة بانسحاب القوات الفرنسية تشكل نقطة فارقة في تاريخ العلاقات بين نجامينا وباريس. ففي السنوات الأخيرة، كان التواجد العسكري الفرنسي في تشاد جزءًا من الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي لمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في المنطقة، عبر دعم الحكومات المحلية في مواجهة الجماعات المسلحة. إلا أن هذا التواجد الذي استمر لسنوات، خاصة بعد التدخل الفرنسي في مالي، أصبح موضع اعتراض متزايد من قبل حكومات المنطقة، حيث ازداد الشعور المعادي لفرنسا في العديد من البلدان الأفريقية، بما في ذلك تشاد.
إلغاء الاتفاقيات الدفاعية بين البلدين يسلط الضوء على تغير جوهري في السياسة التشادية تجاه فرنسا. فقد كانت هذه الاتفاقيات تعتبر حجر الزاوية للتعاون الأمني والعسكري بين الطرفين، لكن التوترات السياسية والضغوط الشعبية في تشاد على الحكومة جعلت من الصعب الاستمرار في هذا التعاون.
طلب الحكومة التشادية يوضح أن الموقف الرسمي يفضل أن يكون الانسحاب قبل بداية شهر رمضان في فبراير 2025. كانت هناك محاولات لإيجاد حلول وسط، حيث عرضت فرنسا تمديد فترة بقاء قواتها حتى مارس من نفس العام، لكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض من قبل السلطات التشادية، التي اعتبرت هذه الفترة طويلة جدًا في ظل المناخ السياسي المتوتر.
تُظهر هذه التطورات تزايد الضغوط على الحكومة الفرنسية، التي تجد نفسها في موقف صعب، خاصة مع تصاعد المشاعر الشعبية المناهضة لفرنسا في دول الساحل، والتي تتزايد بشكل ملحوظ بعد الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو، حيث تم إبعاد القوات الفرنسية من هناك في أعقاب انتقادات حادة من الأنظمة العسكرية.
يواجه الانسحاب الفرنسي تحديات كبيرة من الناحية اللوجستية. حيث يوجد نحو 1000 جندي فرنسي متمركزين في مواقع مختلفة عبر الأراضي التشادية، بما في ذلك قواعد عسكرية نائية في مناطق صحراوية. بعض هذه القواعد تقع على مسافات تتجاوز عشرة أيام من السفر البري عن العاصمة نجامينا، مما يجعل عملية الانسحاب أمرًا معقدًا للغاية.
بدأت بالفعل بعض خطوات الانسحاب، حيث تم سحب مقاتلات “ميراج 2000” من قاعدة نجامينا الجوية، كما ستشمل الخطوات القادمة إخلاء قواعد أخرى مثل قاعدة “فيا-لارجو” و”أبشة” في الشمال الشرقي للبلاد. من المتوقع أن يبدأ تفكيك هذه القواعد الأسبوع المقبل. ومن المرجح أن تكتمل عملية الانسحاب بحلول نهاية عام 2024، مما يضع تحديات لوجستية ضخمة أمام القوات الفرنسية في التنسيق بين عملية الإخلاء وضمان أمن القوات والعتاد العسكري.
الانسحاب الفرنسي من تشاد يأتي في وقت حساس بالنسبة للسياسة الإقليمية في منطقة الساحل. ففي ظل تصاعد تأثير القوى العسكرية المحلية في منطقة الساحل، مثلما هو الحال في مالي وبوركينا فاسو، قد يؤدي انسحاب القوات الفرنسية من تشاد إلى تقوية هذه الاتجاهات، مما يعكس تغيرات جوهرية في استراتيجيات الأمن الإقليمي.
من ناحية أخرى، قد تضع هذه الخطوة فرنسا في مواجهة مع حلفائها الأوروبيين الذين يعتبرون منطقة الساحل من أولويات الأمن الدولي. هذا الانسحاب قد يساهم في تعزيز النفوذ المحلي في تشاد ولكن قد يؤدي أيضًا إلى زيادة تحديات الأمن في المنطقة، خاصة مع استمرار التهديدات الإرهابية من قبل جماعات مثل “داعش” و”القاعدة” في الساحل الأفريقي.