…الجالية نيوز
بقلم:خاليد بنشعيرة
إن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من مقومات النظام الدستوري، نص عليه الفصل الأول من الدستور كمقوم رابع بعد الحكامة الجيدة، وفصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، كما يجد أسسه في الخطب الملكية السامية التي ما فتئت تؤكد على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يحيل لنا بشكل واضح وجلي إلى دولة القانون بمعنى خضوع الدولة للقانون،التي يسمو فيها القانون وتكون فيها السلطات مقيدة بالقانون في ممارسة سلطاتها، وتكون فيها المساواة أمام القانون، ويطبق فيها الفصل بين السلطات والإعتراف بالحقوق والحريات. وملاحظ أن تقدم المجتمعات وتطورها رهين بربط المسؤولية بالمحاسبة، يعني أن جميع الدول الديمقراطية المتقدمة، التي راكمت تجربة في هذا المجال عرفت ازدهارا وتقدما في شتى المجالات.
وقد جاء هذا المبدأ قطيعة مع كل أشكال الرشوة، والفساد الإداري والواسطة، والمحسوبية، والسرقة، والإختلاس، و”إستغلال النفوذ”، وخيانة الأمانة، والإستغلال اللامشروط للممتلكات العمومية، و”الشطط في إستعمال السلطة”، ومع سلوك الريع السياسي والإقتصادي الذي كانت تعرفه البلاد قبل صدور دستور 2011، كما جاء من أجل متابعة كل المفسدين وعدم إفلاتهم من المحاسبة والعقاب عند ثبوت تورطهم في تقصير أو إخلال في النهوض بمهامهم، فالمسؤولية دائما تقابلها المحاسبة بمعنى كلما كانت هناك مسؤولية كانت المحاسبة. هذه المحاسبة يجب أن تطبق على جميع المغاربة كيفما كان شأنه، الكل متساوي أمام القانون.
في هذا الصدد قال جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 18 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين:( كما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب ان يطبق “أولا”على كل المسؤولين بدون إستثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة).
كما قال جلالته:( إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب).
إن غياب المحاسبة والمساءلة له بطبيعة الحال تداعيات وخيمة على سمعة الدولة و صورتها على الصعيد الدولي، هذه التداعيات تتجلى في الفساد، وضعف الشعور بالمواطنة، وفقدان الثقة في المؤسسات. والافلات من العقاب الذي يتيحه غياب المحاسبة، يشجع على التمادي في إستغلال النفوذ، ونهب المال العام وتأخير عجلة التنمية في البلاد.
ودون شك، فإن تفعيل هذا المبدأ، سيدشن لا محالة لمرحلة جديدة، تجعل المسؤول ، حريصا على أداء مهامه، بكل مواظبة ومواطنة وانضباط، وهو دائما يفكر في العواقب التي ستلحقه في حالة وجود هناك تقصير فيما كلف به.
وبالتالي فمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يطبق في شتى المجالات بدون إستثناء، وأي شخص تبث في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه يجب محاسبته طبقا للقوانين الجاري بها العمل.
وهذا ما أكد عليه جلالة الملك نصره الله في خطابه الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال18 لعيد العرش المجيد، “وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ”.(كما أؤكد أن الأمر يتعلق بمسؤولية جماعية تهم كل الفاعلين، حكومة وبرلمانا، وأحزابا، وكافة المؤسسات، كل في مجال اختصاصه).
كان جلالة الملك واضحا في خطابه عندما أكد على ” أننا لن نقبل بأي تراجع عن المكاسب الديمقراطية. ولن نسمح بأي عرقلة لعمل المؤسسات، فالدستور والقانون واضحان، والإختصاصات لا تحتاج إلى تأويل”، فالامبراطورية المغربية هي دولة مؤسسات وليست دولة أشخاص.
وبغية القيام بالمساءلة والمحاسبة على الوجه المطلوب يجب تبني المفهوم الجديد للسلطة الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله سنة 1999، الذي قوامه الإلتزام بالقانون والشرعية.
فالمفهوم الجديد للسلطة يقول جلالته 🙁 المفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة ، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة ، وتطبيق القانون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا ، عن طريق الإنتخاب بطرقة نزيهة وشفافة، وكسب ثقة المواطنين؛ كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الإنتخابات والإدارة و(القضاء)،وغيرها. وعدم القيام بالواجب ، هو نوع من أنواع الفساد.
كما يجب التوفر على مجموعة من الشروط لكي يتجه هذا المبدأ نحو الطريق الصحيح، ومنها التوفر على موارد بشرية مؤهلة علميا وأخلاقيا ونزيهة وذات إلمام واسع بقضايا الإفتحاص والتدقيق وبكل الجوانب القانونية والإدارية والمهنية والإلتزام بالموضوعية والنزاهة، ويبقى هدفها الأساسي هو خدمة الوطن والمواطن، ويكون عملها خالصا وخاضعا لما …
…الوسائل الكافية للقيام بواجبها على أكمل وجه.
هذا بالإضافة إلى وضع الرجل مناسب في مكان المناسب والقطع من وضع الرجل غير المناسب في مكان المسؤولية، وذلك بإحترام المعايير والمؤهلات الموضوعية التي يحددها القانون، تضمن تكافؤ الفرص وتكون الكفاءة هي وحدها السبيل في تعيين المسؤولين وإسناد المناصب، ويجب ضرب بيد من حديد مسألة المحسوبية والزبونية واستغلال النفوذ التي تؤدي إلى تسرب عدد من الفاسدين لمواقع المسؤولية مما يؤدي في أخر المطاف إلى تعطيل وتعثر السير العادي للمرافق العمومية والتنمية، وإهدار ونهب المال العام.
خلاصة القول لا يمكن أن يكون هناك تقدم وتطور دون محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة.
إذ نرى أن جلالة الملك محمد السادس نصره الله يشدد دائما في خطاباته السامية على ضرورة التطبيق الصارم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي ينص عليه الدستور، داعيا المسؤولين على كافة المستويات إلى تحمل مسؤولياتهم أو تقديم إستقالاتهم.
أريد أن أختم بما قاله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله : “كفى، وإتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا.”
انتهي المقتطف من الخطاب الملكي السامي.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.
اللهم آمين يارب العالمين.